نحن في هذا المقال نريد أن ننقلكم عبر عباب الزمن لنقف في مواطن الابتلاء ومقامات العبودية وساحات الإبتلاء حديثنا عن رجل بأمه إنه شخص مرغ عنفوان الجاهلية ومرغ أنوف طاغتها في قاع الوحل حديثنا عن رجل شهد له التاريخ ووجم له الزمان وذهل من صبره الدهر
إنه بلال بن رباح
ذلكم الصحابي الجليل الذي ضرب أروع الأمثلة في صبره وقوة إيمانه هذا الصحابي الجليل ما ان سمع داعي الحق وإذ بقلبه الطاهر ونفسه الزكية تؤمن به بل وتسابق إليه وكان مولى لأمية بن خلف ذلك الطاغية الحاقد الذي كان قلبه أقسى من جلاميد الصخور وهنا بدأت محنة بلال التي سطرها التاريخ لتبقى عبر الأجيال ذكرى بعبق الأيمان لقد أخذوه مع أمثاله من الضعفاء فألبسوهم دروع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وقد وآتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه قد هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد يقول عمرو بن العاص مررت ببلال وهو يعذب في الرمضاء ولو أن بضعة لحم وضعت عليه لنضجت وهو يقول أنا كافر باللات والعزى وأمية مغتاظ عليه فيزيده عذاباً فيقبل عليه فيطعن في عنقه فيغشى عليه ثم يفيق.
وروي أنهم كانوا يدفنونه بالحجارة ويروي البلاذري عنه أنه قال اعطشوني يوماً وليلة ثم أخرجوني فعذبوني في الرمضاء في يوم حار
يا صاح هذا بلال من عرفته رمضاء الحرم
بالسوط يضرب بالعصا والصخر يا صحبي صمم
صبر الهزبر لأنه عشق الهدى والبيع تم
هذي مصارع عشقهم قربانهم لله دم
ما أعجب العشق الذي جعل المعذب يبتسم
ولكن لابد لليل الظلم من نهاية
لابد أن تأتي عليه خيوط فجر العدل فتمسحه
لقد كان بلال بحق محل إكبار الجميع فنطق صاحب القلب الكبير صلى الله عليه وسلم وقال( لو كان عندنا شيء لابتعنا بلالاً) فطار بها أبو بكر وانطلق فإذا بلال في مراكز القمع والتعذيب فقال علام تقتلونه فإنه غير مطيعكم ؟ فقال أمية اشتره قال بكم قال بسبع أواق من فضة فاشتراه فقال أمية لو قلت بأوقية لبعت فقال أبو بكر لو قلت بمائة أوقية لاشتريت واشتراه واعتقه الرجل الذي يؤتي ماله يتزكى ومال لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.
القارئ في سير هؤلاء الأبطال قد يتساءل عن حِكَم هذا الابتلاء وهذا إنما كان ليعلم الناس أن الإيمان ليست كلمة تقال باللسان ولكنها حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر إنها أمانة الله في الأرض التي تقوم بها الخلافة لا يحملها إلا طراز خاص يصبر على الابتلاء وخاصة إذا طال الأمد وأبطأ النصر واشتدت المحنة وعظمت البلية ثم تأتي بشائر النصر عما قريب